مًلِئَت الدّنْيَا نُوراً حِين أتَى , وأشْرَقَ الكَونُ هَتّاناً بالمُنَى
غمَامٌ أنتَ يا سيّدي , مَطرك يُحيي أرْضَ الحَقْلِ , وتَنْمُو مِن أسْوَته براعمَ خيرٍ وزهراً وحلوَ العِطْر
هَنِيئاً لقلبٍ نُقِشَت حناياهُ بِكَ , أو روحٍ خَبّأتْكَ في صَدْرهَا .
بأبِي وأمّي أنتَ حِينَ أبيْتَ الخُنوعَ أمامَ عَذابات القَوم لأجلِ الله
وتَبليغنَا هَذا الدِّين , سراج النّور هزمت عتمة الضّلال بتأييدِ ربّ الكَون ,
فكُنتَ الفَجْرَ الآسِر الذي سلبَ لباب الحُكمَاءِ والغُربَاءِ
بطُهرِ خُطاه , وصَفْوِ سيرته , وذَكْو حِكمتهِ ,
وسديد رأيهِ , ورشَادِ أمرهِ .
صلوات ربّي وسلامه عَليهِ وعلى القلبِ الذي ( لن تُنجب مثلهُ الأمّهات
ولو عاش كل فتَى ألف عام ) .
هُوَ الحَبِيب قُرّة عَينِ المُشتاقِين
مَن لابدّ سيرته ألا يرتاحَ عليهَا غُبَار , أن تظلّ قُلوبنا بيضَاء بقراءة عِطرهَا
وعُلوّ مَجْدِهَا , وصبَابةِ حَدِيثهَا ..
يقولُ ربّ العزّة جلّ شأنه :
" لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ " سورةُ التّوبة .
فاصدقُوني يا قومي :
كمْ منّا يعرفُ اسمَ نبيّه العَدنَأن الكَامِل ؟!
أو متَى وُلِدَ النّور والطّهر والعَلم , أو حتى متى التحاقهِ كانَ بالرّفيق الأعلى ؟!
أو كم كَان عُمره حِين أنزل الله عليهِ الوَحي خيرُ الوَرَى ؟!
ومَا أنَا بالتي مِنكم ببَعِيد **
قد تَكُون هَذه أسئلَة بَسِيطَة لكنْ ربّما لا نفقهُ مِن أجْوِبَتها إلا القَلِيل !!
لمَاذا يا إخوتي ! .
وأطفالُ الثّالثة اليَوم يرددون أسْمَاء مُمثّلين ومغنيات !
فتاةٌ مزّق شؤم الغنَاء بياضَ مَعرِفَة نبيّها ! فأُدْمِيت بأشواكِ الضّلال !
لمَاذا يا قَومِي قَد نَجِد من هِي تَحفظُ سيرة المُمثل كَذا , والفُلان المَشهُور هَذَا
وتلكَ تتكلم عن فُلانة مُغنيّة مَشهُورة عريانة
وحَدِيثها عَنها في كلّ جلساتهَا ريّانة .
وهل تساءلنا يوماَ .. ورَسُولنَا !
في أيّ حجرةٍ مِن أفئدَتِنَا نقرأ تَفَاصِيل صفحَة المَاء الشّفافة فِيه
كَم نَصيبهُ في حَياتنَا , أقوالنَا , حِفظنا , بل وحتى ثرثرة أقلامنَا
ومَا إعرابه في حديث جلساتنا وقيل وقال نتبادلها مع جيراننا !
كم باتت اليوم اجتماعاتنا فقيرة من حَدِيثه وذكره
وألسنتنا تفتقد ولو ساعة نأنس بها مع رحيق سيرته
أليسَ هُوَ الأولَى بأن نتنفّس جُزيئَاتِه بأضلعٍ تتخلّل مَحبّته
نرضعهَا أبنَاءنَا في أشْهُرِهم الأولى
أليسَ لأرواحنَا حقٌ أن نُهْدِيهَا قبساً مِن نُورِه ,
وبُقْعَة ضَوْء يمتدّ سَنَاهَا حَتى الأُفق بحبّهِ وشغفِ معرفة قصصهِ وحيَاتِهِ ! .
قومي لا زالت أجْسَادنا تَشتهي النّور المُهدَاة
فكيفَ بأرواحنَا وقلوبنا وأنْفَاسِنَا حِين ارتضَاه لنا رسولاً ربّاه ,
فتشّوا زوايَاكم وظلالكم , كونوا على يقينٍ أنّ بعضها لا زال يستجدي حياةً بأريجِ
سيرتهِ وعبير سُطورٍ كانت هي الحَلوى لدنيانَا , لأنّها تحدّثت عَنهُ شفِيعُ الخَلائقِ , كريمُ البَشَر
فرفقاً بقلوبنَا ودعونا لا نهجُ من اشتاقنَا حَتى البُكَاء .